الرقابة على دستورية القوانين في مصر:
حسم المشرع المصري موقفه بإقراره سلطة القضاء في رقابة صحة التشريعات الفرعية والعادية والتأكد من عدم مخالفتها لأحكام الدستور، ولهذا الغرض أنشأ المشرع محكمة خاصة تتولى مهمة الرقابة على دستورية القوانين، وقد أطلق على هذه المحكمة اسم "المحكمة الدستورية لعليا"، وقد نصت المادة (192) من الدستور الجديد على أن:
"تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص النشريعية، والفصل في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وفي تنازع الاختصاص بين جهات القضاء، أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها، والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها. ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع امامها"
وقد صدر قانون المحكمة الدستورية العليا في 29 من أغسطس سنة 1979 م، وهو القانون رقم 48 لسنة 1979.
ملحوظة حري بالإشارة أن المحكمة الدستورية العليا حلت محل المحكمة العليا التي كانت تتولى الفصل في دستورية القوانين بموجب قانون إنشائها الصادر برقم 81 لسنة 1969 ٠ فمع صدور القانون رقم 48 لسنة 1979 ألغي قانون المحكمة العليا المشار إليه ونقل إلى المحكمة الدستورية العليا جميع الدعاوى والطلبات القائمة أمام المحكمة العليا في ذلك الوقت، إذ نصت المادة الثانية من قانون المحكمة الجديدة على أن: " تحال إلى المحكمة الدستورية العليا فور تشكيلها - وذلك بحالتها وبغير رسوم - جميع الدعاوى والطلبات القائمة أمام المحكمة العليا والتي أصبحت من اختصاص هذه المحكمة الجديدة " ٠
وإذا عقدنا مقارنة بين قانوني المحكمة العليا والمحكمة الدستورية العليا يتضح أن الأخيرة سلطتها في الرقابة على دستورية القوانين أكثر اتساعأ من السلطة التي كانت تمارسها المحكمة العليا، فرقابة المحكمة الدستورية تمتد إلى القوانين واللوائح وليس القوانين فقط كما كان مقرراًً بالنسبة للمحكمة العليا، فضلاًعن حق المحكمة الدستورية أن تتصدى من تلقاء نفسها بالحكم بعدم دستورية قانون معين عرض لها .بمناسبة ممارسة اختصاصاتها، وهذه الحالة لم تكن موجودة في قانون المحكمة العليا المشار إليه ٠
ووفقا لهذا القانون تنفرد المحكمة الدستورية، دون غيرها من المحاكم، بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح. ويمكننا أن نمدز أهم ملامح الرقابة على دستورية القوانين في مصر من خلال عرضنا لطريقة فصل المحكمة في دستورية القوانين واللوائح، ثم التعرف على منهج رقابة المحكمة للقوانين، فضلا عن بيان أثر الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا.
وذلك على النحو التالي:
(أ) طريقة فصل المحكمة في دستورية القوانين واللوائح:
وفقأ للمواد ٢٧ و٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا تباشر هذه المحكمة الرقابة على دستورية القوانين واللوائح في حالات ثلاث: فقد يتم ذلك بناء على طلب محكمة أخرى، أو بناء على دفع بعدم دستورية نص أو قانون معين أثاره أحد الخصوم في دعوى منظورة أمام محكمة أخرى، وأخيرا قد تباشر المحكمة ادستورية العليا هذه الرقابة من تلقاء نفسها.
وبيان ذلك على النحو التالي:
1 - قد يتراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، أثناء نظر إحدى الدعاوى، عدم دستورية نص قانون أو لائحة، وفي هذه الحالة يمكن إحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية النص المذكور. ويجب أن يتضمن قرار الإحالة الصادر من جهة القضاء إلى المحكمة الدستورية العليا بيان النص النشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفة (المادة ٢٩فقرة أ من قانون المحكمة الدستورية العليا).
2- قد يدفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإذا رأت المحكمة جدية الدفع، أجلت نظر الدعوى وحدت لمن أثار الدفع ميعادا لا يتجاوز ثلاثة أشهر يقوم خلالها برفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد المحدد أعتبر الدفع كأن لم يكن (المادة ٢٩ فقرة ب من قانون المحكمة الدستورية العليا).
3- قد تقوم المحكمة الدستورية العليا من تلقاء نفسها بالنظر في دستورية قانون أو لائحة من غير أن تتلقى أي طعن من أحد، وذلك أثناء ممارستها لاختصاصاتها، فإذا بدا لها نص معين غير دستوري تقوم من تلقاء نفسها بالحكم بعدم دستوريته (المادة ٢٧ من قانون المحكمة الدستورية العليا).
مقالة منفصلة الرقابة القضائية على صحة التشريعات
(ب) منهج رقابة المحكمة لدستورية القوانين:
تقتصر مهمة المحكمة الدستورية العليا على رقابة دستورية القوانين واللوائح، حتى لا تقوم السلطة التشريعية أو التنفيذية بإصدار تشريع يخالف أحكام الدستور، فليس للمحكمة أن تراقب مجرد الملاءمة في إصدار القانون أو اللائحة، كذلك لا تمتد سلطتها إلى مراقبة مدى احترام القانون أو اللائحة للمعاهدات التي أبرمتها الدولة أو الحقوق المكتسبة لها.
والمحكمة الدستورية العليا في سبيل أداءها لمهمتها الرقابية تقوم بثلاثة عمليات متتابعة: فهي تبدأ بتحديد المسألة الدستورية محل البحث ثم تنتقل لى تفسير النصوص الدستورية والتشريعية المعروضة أمامها، وأخيرا تستخلص المحكمة لقضائها في ضوء مدى مشروعية النص التشريعي بالنظر إلى النص الدستوري
(ج) أثر الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا:
والحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا لا يحتمل سوى أحد فرضين: فقد تصدر المحكمة حكمها برفض دعوى عدم الدستورية، ومن ثم يستمر العمل بالنص ولا يجوز الطعن فيه مرة أخرى بعدم الدستورية، ولكن إذا رأت المحكمة أن النص المطعون فيه غير دستوري فإنها تحكم بعدم دستوريته.
ملحوظة والمحكمة الدستورية العليا عليها دومأ — وكشرط أولي لممارستها رقابتها على دستورية القوانين — أن تتوثق مما إذا كان ممكنا تأويل النص التشريعي المطعون عليه على نحو يجنبها الحكم بعدم دستوريته.
ويعتبر هذا السير أسلوباً لتجنب الحكم بعدم الدستورية وهو ما يعني استخلاص المحكمة الدستورية من النصوص التشريعية، من خلال التفسير، قواعد قانونية تتفق مع الدستور
وقضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص معين لا يعني عدم دستورية القانون بأكمله الذي ورد فيه هذا النص، فالبطلان لا يلحق إلا النص المعيب الذي حكم بعدم دستورية دون بقية نصوص القانون التي تظل صحيحة.
ولكن إذا رأت المحكمة أن النص الذي ستحكم بدستوريته مرتبطا بالنصوص الأخرى في القانون ارتباطا لا يقبل التجزئة، ففي هذه الحالة تقضي المحكمة بعدم دستورية القانون برمته، وبذلك يلحق البطلان القانون وليس النص غير الدستوري فقط.
ونظرأ لأهمية الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا وخطورة ما يرتبه من أثار، نص الدستور في المادة (195) على ضرورة نشره بالجريدة الرسمية. ويعتبر الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا نهائيأ غير قابل للطعن بأي طريقة من طرق الطعن، وبالتالي فهو له حجيته على الكافة وملزم لجميع سلطات الدولة.
يتعهد مكتبنا بأن يقدم لعملاءه كافة الخدمات والإستشارات القانونية بكل دقة وأمانة وأن يقوم بإنجاز كافة أعمال التقاضي في أسرع وقت ممكن .
بالإشتراك في قائمتنا البريدية ستحصل على أحدث الأخبار والمقالات من موقعنا
لا تقلق، نحن لا نرسل رسائل مزعجة!